الشوان ذلك البطل الذى قام بأكبر عملية اختراق للموساد، وسلم مصر أخطر أجهزة التجسس الإسرائيلية.. هو نفسه البطل الذى تركه النظام السابق فريسة للمرض والفقر، ينتظر عطف الآخرين عليه.. فى وقت كان يتم فيه تكريم الفنانين ولاعبي كرة القدم وتسفيرهم للخارج للعلاج على نفقة الدولة.
ومع هذه المعاملة السيئة التى تلاقها من نظام مبارك، كان من الطبيعى أن يمرض قلب البطل بانتظار أن ترد له حكومة بلاده الجميل، وتعالجه على الأقل على نفقتها، لكن مع الأسف لم يحدث، وأكبر مبلغ دفعته له حكومة مبارك كان نحو 70 جنيهًا، كمعاش !! بينما دفعت له تكاليف عملية قسطرة القلب، إمراة مصرية غيورة على أبطال وطنها.
اليوم ووسط الأحداث الجارية، وترقب المرحلة المقبلة التى من المتوقع لها ألا تهمل بطلا مصريًا بعد ذلك، رحل الشوان البطل الهمام.. مساء الثلاثاء، الثالث من نوفمبر.. فى صمت داخل مستشفى وادى النيل بعد صراع مع المرض.. بعدما شاهد أن من حكم وأهانه طيلة 30 عامًا مضت، بات هو "المُهان"..
أبرز ما قاله الشوان قبل رحيله بنبرة امتزجت فيها كل معانى الحزن: "أنا بلوم الموساد الإسرائيلي لأنه سايبني لغاية دلوقت من غير ما يصفيني لأني خنتهم وحصلت لمصر علي أغلي أجهزة تجسس ورفضت أبيع بلدي.. كنت عايزهم يقتلوني ويريحوني بدال ما أنا قاعد أستلف من الناس وأبيع شقتي عشان أسدد ديوني وأجيب علاج.. يعني لو كان ربنا خلقني رقاصة ولا لاعب كورة ولا مطرب كان الكل جري عشان يعالجني لما أتعب".
الشوان الذى حصل على لقب "شعبى" بأنه بطل أكبر عملية تجسس فى تاريخ الموساد الإسرائيلى استمرت 11 عامًا، لم يحصل على أدنى حقوقه، بأن يعيش حياة كريمة، بل تركه النظام السابق، والحكومة الحالية أيضًا، يواجه الإهانة - كما قال فى أحد تصريحاته الصحفية قبل وفاته بأسابيع - وحين اشتد عليه المرض، أحتاج إلى إجراء عملية جراحية، وطلب من زملاء عمره ورفاق عمله أن يساعدوه، كان الرد "ودن من طين وأخرى من عجين"، حيث تركوه يواجه المرض، حتى عطفت عليه إحدى الجمعيات الخيرية وأجرت له العملية مقابل 45 ألف جنيه "فقط" بعد أن وعدها بأنه سيبيع شقته التى يسكن فيها مع أولاده.
ولد الشوان فى 6 أغسطس عام 1939 وتربي ونشأ بمدينة السويس، التي اضطر إلى الهجرة منها هو وعائلته، بعد نكسة يونيو 1967 وهناك فقدت زوجته نظرها نتيجة للقصف الإسرائيلي وتدمير لنش صغير كان يمتلكه، ويعتبر من أهم العملاء الذين شهدهم صراع المخابرات المصري الإسرائيلي.
وقد برز دوره وعرفه عامة الشعب، من خلال مسلسل دموع في عيون وقحة باسم "جمعة الشوان" من إنتاج التليفزيون المصري ومن بطولة النجم عادل إمام، أحد الشبان المصريين الذين عانوا من نكسة يونيو 1967.
بعد أن وطأت قدم الشوان محافظة القاهرة عائداً من السويس بلا رجعة - وفقاً لما رواه قبل رحيله- لم يجد بها فرصة عمل، وكانت ظروف الحياة قاسية، فتذكر أن لى مبالغ مالية عند رجل يونانى، فقرر السفر إليه للحصول عليها، وما إن وصل هناك حتى تعرف على عدد كبير من الشباب والفتيات الجميلات الإسرائيليات، وأقنعوه بالعمل لفرع شركتهم فى القاهرة، نظير مبالغ مالية كبيرة، وعلم بعدها أنهم من الموساد الإسرائيلى، وأعطوه مبلغ 185 ألف دولار، وضعوه داخل مكان سرى فى حقيبته، ثم ركب الطائرة المتجهة إلى القاهرة وكان خلال عودته يفكر فى هذا المبلغ الكبير، إلا أن صوت جمال عبد الناصر طوال الرحلة كان يجول فى خاطره وهو يلقى الخطابات المهمة، فقرر الذهاب إليه ليطلعه على الأمر، وبالفعل التقاه وحكى له القصة كاملة، فأعطاه عبد الناصر كارتاً شخصياً كى ينسق مع جهاز المخابرات العامة المصرية.
سافر الشوان إلى إسرائيل وعمل فى الموساد الإسرائيلى، وأوهمهم بنقل المعلومات لهم عن مصر، وهناك منحوه جواز سفر باسم "يعقوب منصور" سكرتير أول السفارة الإسرائيلية فى إيطاليا، وبدأت المهمة، حيث كان يتعمد الشوان ألا يغوص فى النوم خوفا على فلتات لسانه فى الأحلام حتى لا ينفضح أمره، فكانت كل حياته فى إسرائيل صعبة، حاملاً كفنه بين يديه، بينما كان يتمنى أن يصلى ولو ركعتين، طوال هذه المدة، لكنه فشل.
منح الموساد الإسرائيلى، جمعة الشوان جهازاً خطيراً ينقل الرسالة فى 6 ثوان فقط، وطلب منه رجال الموساد السفر بالجهاز إلى القاهرة لنقل الأخبار من هناك، فرجع الشوان به إلى القاهرة وأهداه إلى المخابرات المصرية، وكانت أول رسالة بعثها إلي الموساد "شكرا لحسن تعاونكم معنا طوال الـ 11 عاماً من خلال رجلنا جمعة الشوان..المخابرات العامة المصرية"، وكان لهذا الجهاز دور كبير فى جمع معلومات ساهمت فى تحقيق انتصارات أكتوبر المجيدة.
تزوج الشوان من الفنانة سعاد حسنى لمدة 8 أشهر سنة 1969، بعد حبه الشديد بها، لكن سعاد حسنى لم تكن الحب الوحيد له، بل إنه تعرف أثناء وجوده فى إسرائيل على فتاة تدعى "جوجو ديفيد" ودخل معها فى قصة حب كبيرة مما جعلها تساعدنه كثيرًا، إلا أنها كادت أن تفضح أمره عندما رجعت من القاهرة إلى إسرائيل بعد حرب 73 ولم تتمالك نفسها وحضنته أمام رجال الموساد، لكنها تزوجت من شاب مصرى بعد أن أشهرت إسلامها.
كان بإمكان الشوان أن يكون مليونيراً من الأموال التى كان يحصل عليها من الموساد الإسرائيلى، طوال فترة عمله فى تل أبيب، لكنه كان يسلمها للسلطات المصرية كما هي وبالطريقة التي تصله بها، حتى يتعرفوا على طرق تمويل الموساد لعملائه في مصر، بينما أكد أنه لم يقبض منذ أن جنده الموساد عام 1967 وحتى اعتزاله عام 1976 مليما واحدا من المخابرات المصرية، وأن الموساد كان يخبره مع كل راتب ومكافآت وعلاوات يتقاضاها منهم، بأعلى سعر للدولار في مصر، والأماكن التي يمكن أن يستبدل منها بهذا السعر.
كثرة حزنه على ما تعرض له من الدولة، ومن أقرب المقربين منه، جعلته يخرج عن صمته ذات مرة ويقول:" لو كنت راقصة أو فنانا لصدر قرار بسفري إلى الخارج للعلاج على نفقة الدولة، وأغرقوني بالأموال تكريما لي، ولأصبحت ملء السمع والبصر طول عمري، لكنني لست من هؤلاء وأنا غير آسف على ذلك"